الجنرال درُو في طفولته

   كان "درو" الصغير ذا ميل خاص لدرس الآداب، كأنّه غريزة فيه. فلم يبلغ الثالثة من سنّيه حتّى ذهب يقرع أبواب "مدارس الأخوة المسيحيّة"، فلم يؤذن له أن ينتسب إلى المدرسة لصغر سنه؛ فأخذ في البكاء وذرف الدموع السخيَّة، فحنَّ قلب الإدارة عليه وغمرته بعطفها وقبِلَته في أحد معاهدها، فسرّي عنه كدره وسمح له أهلوه بالذهاب إلى المدرسة، على فقرهم المدقع وحاجتهم لمعونته الزهيدة، وذلك لِما لمسوا من ولدهم من حسن الاجتهاد والنباهة والرغبة الشديدة في كسب العلم، ولكنّهم لم يحملوا عنه شيئًا من أشغاله البيتيّة التي ألفها ولم يوفِّروا عليه عناءَه، فكان لدى أَوبته من المدرسة، يحمل الخبز ويوزّعه على الزبائن، وكان لا يستطيع العمل المدرسيّ إلّا في الغرفة التي يسكنها أبواه وإخوته، فيلهيه ضجيجهم وتزعجه أحاديثهم وجدالهم المتعلّق بشؤون المعيشة والكسب المادّي.

   لم تكن الفاقة تساعده كثيرًا على العمل في أثناء الليل، لأنّ القنديل كان يُطفأ باكرًا، حبًّا بتوفير الزيت، فيضطّر آنذاك إلى أن يضطجع في فراشه، إلّا في الليالي المقمرة التي كان فيها ضوء القمر الساطع يساعده على قضاء السهرة بكاملها في الدرس والمطالعة. لا يفوّت عليه فرصة ولا يبذّر دقيقة، بدون أن يستفيد علمًا، ويطالع كلّ كتاب تقع عليه يده ويلتهم معانيه التهامًا. وكان يستيقظ الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وأحيانًا أكثر بكورًا، فيساعد أبويه في أشغال البيت، على ضوء قنديل حقير، ثمّ ينصرف إلى شغله المدرسيّ الخاصّ لكنّ القنديل القبيح العقوق الخائن ينطفىء قبل انبلاج الصبح وطلوع النهار، فيقترب حينئذ من المدفأة المُوقدة، يستعين بنارها القويّة ليقرأ على ضوئها.

                                      يوسف س. نويهض

                                  مترجمة من الفرنسيَّة – مرثاة

                                 الجنرال درو- للكاتب لاكُورْدِيْرْ